قبل ان يحلق الشاهين (لقاء بين عباس فاضل والقاص سالم شاهين قبل رحيله)

قبل أن يحلّّق الشاهين

الحوار الأخير مع القاص والروائي والمسرحي

سالم شاهين

Ø حاوره: عباس فاضل الغريب

في 17/11/2007 تأوهت مدينة الحي مفيقة على غبش رمادي وشحه سكون الغراف برحيل الشاهين صوب أفقه الأخير. دوى النبأ كجبل يهوي، تاركاً صمتاً مطبقاً، بعد ان تراخت ذراته هامدة يبتلعها السكون الأبدي، مستوليا على العيون، سالبا قوافيها، أرهقها تجلي الشاهين الخير، قبل رحيله، حاورته (طريق الشعب) ببضعة أسئلة حول روايته (رفسة حصان) على أمل ان تلتقيه بحوار موسع. وليتنا لم نرتهن بالأمل.

< بعد نجاحك بكتابة المسرحية والقصة (القصيرة والطويلة)، اتجهت صوب الرواية، تحت أي هاجس تشكل منحاك؟

-الكتابة الابداعية بكل اطيافها؛ صيغة حياتية.. بوابة من، والى الحياة.. معادل موضوعي للواقع.. وقد يجد الكاتب بعض الأجناس الأدبية اقرب من غيرها الى تجسيم ما يود الأفاضة به.. فما يمكن قوله في مسرحية ربما لا تساعد القصة (بحدودها) بأشتماله.. والعكس صحيح، وكذا في الرواية وفي غيرها.. فضلا عما تنطوي عليه تجربة الكتابة من مغامرة.. وكما تعلم لكل جنس ادبي، لون وطعم ورائحة.. كذلك مغامرة الخوض فيه لها خصوصيتها وتفردها.. ولدت كتاباتي بلا قصد مسبق.. المسرحية ولدت في ذهني مسرحية، والقصة ولدت بشكلها، كذلك رواياتي..

< سيقتصر حديثنا حول (رفسة حصان) حصرا.. ولنا عودة اخرى ان امكن؟

-بخدمة الطيبين.. أنا اوافقك على التخصيص في الحوار تحاشياً لتشظي الرؤيا.

< هل تجد جدوى في نبش الماضي؟.. هذا ما اعتمدته (رفسة حصان)؟

-نبش الماضي يعني عصرنته (وفق فهمي) وكل الكتاب المهرة يعرفون قراءة الماضي قراءة صحيحة، بدءاً بتجارب الكاتب نفسه، وانتهاءً بتجارب الآخرين (ماضيهم).

< هل تجد الأمراض الاجتماعية لدى شخوص كتاباتك، كواقع سائد؟ او هو مجرد استفزاز لقارئك؟.. ما مدى ارتباط ذلك بك كانسان بعيدا عن الأدب؟

-المرض ليس نمط اجتماعي بقدر ما هو ذاتي، ينسحب على السلوك الاجتماعي مبرزاً شذوذ النموذج المطروح. وتشكل الواقع لا يرتبط بما هو سائد او شاذ انما هي أطياف ونتف من هنا وهناك، وقد يرتبط (ما تسميه مرضا اجتماعيا) بالنوابغ او حتى الأسوياء (مع التحفظ على التسمية).. وليس من شأن الكاتب استفزاز القارئ ففعل الكتابة ليس فعلاً قصدياً موجها.. بل هو الغور في الشخصية وكشف معاناتها، وصولا لأسبابها، ثم التلويح بالحلول المقترحة فالكاتب فنان صاحب موقف فكري يغوص في الواقع، باحثاً عن آفاق ورؤى محتملة.

< هل ترى (رفسة حصان) قالت كل ما في نفسك؟ أي انك بلغت تلك الآفاق والرؤى المحتملة؟

-ليس هناك رواية، او أي نص ادبي يصل الى المدى الأخير –الآفاق المحتملة لا متناهية- فضلا عن الروي المرتبط بها والذي لن يبلغ الكمال.. وإلا لأكتفينا بشكسبير او بديستوفسكي، او غابريل او الطيب صالح.. ولأغنتنا تجاربهم في الأدب عن قراءة الآخرين.. وعلينا ان لا ننسى ان القراءة هي الأخرى ذات احتمالات لا متناهية، ترتبط بوعي القارئ ومرجعياته.. روعة تجربة الكتابة وفي الوقت ذاته ماساة الكتابة الحقيقية هي؛ اننا لن نبلغ المدى الاخير.

< ظهرت بعض المقالات عن الرواية. كيف اثرت بك؟ أعني مدى قربها وبعدها عما حاولت قوله؟

-الكتابة النقدية؟ كتابة ابداعية محض، وان تمحورت حل نص بعينه. ومهمة الناقد مهمة ابداعية متفردة عن مهمة كاتب النص، تأخذ حضورها من ادوات الناقد نفسه لذا يكون التباين جلياً بين معالجة نقدية واخرى وان اشتركنا بالنص ذاته. وليس في (رفسة حصان) حصرا بل في كل ما سواها وقفت مبهوراً مما اولده النقاد من نصوص كتبها قلمي.. عموماً تنتهي علاقتي بالنص بعد نشره، ويؤول الحق فيه الى القارئ.. وفيما يخص رواية (رفسة حصان) فقد كانت المقالات حولها هي اغناء لها، ومدى تاثيرها، يأتي من مدى اهتمام القراء المعنيين بعالم الرواية واسرارها. كان لكل ناقد طريقته ونظرته في فن النقد، والزاوية التي يحاول من خلالها سبر اغوار النص. وليس بالضرورة الإحاطة بكل جوانبها. فهنا في العراق تناولها الناقد هادي الزيادي بالعرض، وببحث جذور ومرجعيات البناء الدرامي، والدكتور فاضل التميمي تناولها من حيث الحضور والغياب.. وأود ان اشير الى تلك اللمحة التي انتهزها الروائي حنون مجيد في اشارته الى الرواية، موضحاً مدى معانات الكاتب في طبع كتابه موجها اصبع الأتهام حيال جهات معنية بالمنجز الأدبي. يمكن هنا ملاحظة التفاوت.. اما بالنسبة لبعض النقاد والكتاب العرب فقد غلبت على مقالاتهم سمة الأطراء والإشادة بالاسلوب واللغة الروائية ولم يردني مقالا تحليليا، وما قرأته في ذلك جاء كله عن طريق مواقع مؤسسات النشر على الأنترنيت لصعوبة وصول المنشور الورقي الى بغداد فضلا عن المحافظات العراقية.

< ما هي محاسن ومساوئ النشر على النفقة الخاصة؟

-الطباعة على النفقة الخاصة لا تغير شكل الحرف ولاتتجاوز معنى الكلمة ولا تشتت الموضوع، ولكنها في النهاية تؤثر على دخل الكاتب لا على منجزه.

اجري الحوار في 14/11/2007

البطاقة الشخصية:

الاسم: سالم شاهين بندر

تولد: 1950 قضاء الحي

المهنة: مدرس تربية فنية، ثم مشرفاً تربوياً في مديرية تربية واسط وبعدها في تربية الحي.

التحصيل الدراسي: خريج اكاديمية الفنون الجميلة/ قسم المسرج/ عام 76-1977 .

المجال الابداعي:

-ادب الاطفال: السيناريو المصور، القصة، الرواية، الشعر، الأوبريت الغنائي، المسرح.

-ادب الكبار: القصة، الرواية المسرح (كتابة واخراجا وتمثيلا).

نتاجه المطبوع:

-من يموت بلا رائحة/ مجموعة قصصية

-رفسة حصان/ رواية

-غابة الجن/ قصة طويلة

-رازقية/ رواية

-مدينة بلا شرفات/ رواية

-القرش الأصفر/ مسرحية

-كلكامش في حضرة السيد عبدالحق/ مسرحية

-فكرة ليست للشنق/ مسرحية

-كيف تستحم الشمس/ مجموعة قصصية للأطفال –تحت الطبع-

-ثعلوب ودجوج/ رواية للاطفال

-قمر الأميرة/ مسرحية للاطفال

-الأمير العادل والحلاق/ مسرحية للاطفال

-نشر العديد من القصص والمسرحيات في الصحف والمجلات العراقية.

مخطوطاته: قصص وروايات ومسرحيات قرأها الاصدقاء المقربون تنتظر من يكشف عنها النقاب.

جوائزه:

-فازت مسرحيته (الشمس) بالجائزة الثالثة عام 1973 .

-فازت قصته (الساقية) بجائزة هيئة رعاية الطفولة عن اليونسيف عام 1998 .

-فازت عدة عروض مسرحية له في مسابقات قطرية (في سبعينيات القرن المنصرم)

محطات من حياته:

-1964 أنغمر بالعمل في صفوف الكفاح المسلح وكان في الصف الثالث المتوسط.

-1965 اعتقل وسجن في سجن الكوت.

-1966 صدر بحقه حكم الاعدام من محكمة الكوت.

-1967 اسقط عنه الحكم واطلق سراحه ليعود لإكمال دراسته المتوسطة.

-1972 بدأ في الكتابة للأطفال ونشر نتاجه في مجلتي: مجلتي والمزمار، ويعد من الرواد في الكتابة للاطفال دون سن القراءة (السيناريو المصور بدون حوار).

-توقف عن النشر أواسط السبعينيات حتى أواخر التسعينيات بسبب المضايقات والاعتقالات الكثيرة في مديرية أمن الحي.

مع اول صباح 17/11/2007 توقف قلب سالم شاهين الأديب الملتزم بعد ان قاوم لعقود؛ الفاقة والأغراء والتهديد والتعذيب بكل أشكالها فحلق عزيزا شريفا تتأساه الأجيال.